ولد محمود حسن إسماعيل في قرية النخيلة على الضفة الغربية للنيل جنوب أسيوط بصعيد مصر، ونشأ کما ينشأ سائر أبناء الفلاحين الفقراء، لا مأوى لهم إلا أکواخ يقيمونها مما تنبته الأرض الطيبة من أعواد الحطب الجافة التي تشبه أجسادهم النحيلة، يعملون جماعات يغنون، يبثون أتراحهم وأفراحهم مواويل حزينة على أنغام الطبيعة، على أنين السواقي وهديل الحمام ونعيق البوم والغربان وزقزقة العصافير. وکانت القرية بناسها وحيواناتها وطيورها وزروعها وإيقاعاتها ذات أثر کبير في شخصية محمود حسن إسماعيل وفي شعره، فهي النبع الذي ملأ غدير ذکرياته، والبوتقة التي صاغت هياکل أفکاره وأخيلته وثقافته، لذلک تعد أشعاره معجمًا أو سجلاً لکل ما تحتويه القرية من کائنات صغيرة أو کبيرة، وهذا المعجم ليس مجرد کلمات أو صور بل مشاهد محملة بالمشاعر الحية والحقيقية. والقرية المصرية في الصعيد تختزن موروثًا أسطوريًا عجيبًا انتقل تلقائيًا إلى شعر محمود حسن إسماعيل، فالنيل في التفکير الأسطوري الشعبي ليس مجرد مجرى مائي بل هو کائن حي، متيقظ، والنداهة عروس تنادي الأطفال في قاع الترعة، والفقر رجل عجوز محدودب الظهر کالقرد له قرنان، والشمس تأتي للأطفال بأسنان جديدة وتأخذ منهم الأسنان القديمة، والحائط له أذنان، واليمامة نمَّامة، والغراب حرامي، والحمار بالليل عفريت أحد المقتولين. ومما ورثه محمود حسن إسماعيل من الريف ظاهرة الألقاب، ووظفها توظيفًا بديعًا في شعره. والطبيعة عنده ليست مجرد مخزن للصور والمعارف بل هي النبع الذي يصل منه إلى الإنسانية ويعبر به عن آلامها وأشواقها.