تروم هذه الدراسة إلى تلمس الملامح الفنية للذات والهوية، واستکناه نقاط التماس بينهما في جنسين أدبيين متقاربين لهما أعرافهما الخاصة هما: جنس الرواية المستمدة من السيرة الذاتية (رواية السيرة الذاتية)، وجنس السيرة الذاتية. والعملان اللذان وقع عليهما الاختيار هما: الرواية الفرنسية "الإنسان الأول" Le premier homme لألبير کامو Albert Camus، وسيرة رضوى عاشور الذاتية "أثقل من رضوى" و"الصرخة". وقد وقع الاختيار على هذه المدونات لما تتسم به من تشابه في بعض النقاط. وينتج التقارب من أن معظم المادة الروائية الخام لهذين الجنسين الأدبيين مستقاة من حياة الکاتب نفسه، في حين يتبين الفارق في القناع الذى يضفيه کاتب رواية السيرة الذاتية على هذه الحياة من خلال الأسماء أو الأشخاص أو الأزمنة أو الأمکنة، وفي المقابل يستغنى کاتب السيرة الذاتية عن هذه الأقنعة، ويطرح علينا بصورة فنية حياته الشخصية. ذلک أن سيرة الذاتية هى أکثر الأجناس الأدبية انشغالا بقضايا الهوية، کما أنها من أکثرها اهتماما بإعادة رسم الحدود التى تحدد الهوية المتغيرة، وهو ما ينعکس على استراتيجية الکتابة النصية.
تنطلق الدراسة محملة بجملة من التساؤلات عن الذات الکاتبة والمکتوبة في آن؟ عن التباعد أو التماهى بينهما ودرجة حيادية رؤية الذات الراوية للذات المروية؟ عن درجات التخييل أثناء الکتابة واستعادة الأحداث في نص سردى له مواضعاته؟ عن جديلة التخييلى والمرجعى في رواية السيرة الذاتية العابرة لأجناس الفروع المختلفة لأدب تجسيد الذات والتعبير عنها: أدب المذکرات، واليوميات، ورسم البورترية الذاتى؟ عن صورة الذات في کلا هذين الجنسين الأدبيين، وکيفية بلورة کل ما هو ذاتى وتحويله إلى موضوعى؟ عن ملامح الهوية الفردية وعلاقتها بالهوية القومية؟
وتعتمد الدراسة المقاربة التداولية باعتبارها علم استعمال اللغة للتعبير عن المعانى والأفکار والمقاصد. وهى تعنى بدراسة العلامات اللغوية أثناء استعمالها في إطار التخاطب، ومراعاة کل ما يحيط بعملية التواصل اللغوى.