أمنحوتب الرابع أو إخناتون هو إحدي الشخصيات التاريخية الفرعونية المثيرة للجدل إن لم يکن أکثرها علي الإطلاق؛ نظراً لما أحاط سيرته من غموض تاريخي وکذلک لجرأة ما قام به من ثورة دينية غير مسبوقة في التاريخ الفرعوني والإنساني على السواء.
حکم أمنحوتب الرابع في الفترة التاريخية التي تمتد من 1375 إلي عام 1358ق.م وهو واحد من حکام الأسرة الثامنة عشرة، ورث مملکة مترامية الأطراف مرهوبة الجانب من جده تحتمس الثالث وأبيه أمنحوتب الرابع. لکن المؤرخين يذکرون أنه تسنم قمة هذا المجد عن طريق الصدفة؛ إذ کان أبوه يعد أخاه الأکبر تحتمس لولاية العرش إعداداً عسکرياً وسياسياً، غير أن المنية عاجلته قبل أن يصل إلي العرش، فاضطر أمنحتب الثالث إلى إشراک أخيه الأصغر أمنحتب الرابع في الحکم بعد أن شعر بوطأة المرض وقرب نهايته.
يذکر مؤرخو إخناتون أيضاً أن الرجل نحا منحىً مختلفاً عن آبائه وأجداده؛ فلم يسع إلي توسيع المملکة المصرية وتعزيز حدودها الجغرافية والسياسية، بل انصرف إلي تصويب مسار العقيدة الدينية وأحيا عقيدة رع (عبادة الشمس) في صورتها الآتونية الجديدة التي نحت نحو التجريد ونفي التعدد والنزوع نحو التوحيد، وهي أفکار سابقة لعصرها ومباديء تحتاج لنضج عقلي وتطور ديني، فلم تقو العقول على هضمها فضلاً عن الالتزام بها، فکان أن تهيأت التربة الصالحة للتمرد والعصيان التي بذرها کهنة آمون الذين دالت دولتهم ودولته في حقبة حکم إخناتون، ورمي الرجل بالکفر والهرطقة، فنقل مرکز الحکم إلي أخيتاتون شمال طيبة. واستمر في نهجه علي الرغم مما حاق بمملکته من تمزق وتفتت واضطرابات عمت الممالک المصرية في سوريا وفلسطين شمالاً، إذ لم يکن نبي آتون راغباً في استخدام الحرب سبيلاً لتثبيت ملکه.
يتفق مؤرخو إخناتون علي أن الکشف الحقيقي للرجل وثورته الرائعة تمثلت في فنه وليس في دينه؛ ففي عهده بدأ الفن يتنازل عن الکلاسيکية وينزع إلي الحقيقة السافرة في تصوير طبيعة الأشياء، فقد رأينا لأول مرة في عهد إخناتون آثاراً تتخذ من العلاقات الإنسانية موضوعاً لها؛ فتصور الفرعون إلي جانب زوجته في جولاتهما معاً: في دار العبادة، وفي شرفات القصر وحينما يخرجان للنزهة في عربته وهو يقبلها علي الطريق في غير حرج أو وهما يداعبان أطفالهما. وحين يختطف الموت إحدي صغيراته تظهره الصورة وهو يبکيها کما يبکي الناس موتاهم ثم يقف مع زوجته علي نعشها باکيين نادبين يودعاها.
يحيط الغموض بمعظم مراحل حياة إخناتون: نشأته، دوافع ثورته، حقيقة علاقاته الأسرية، نهايته. ولعل ذلک هو ما جعل منه شخصية فنية بامتياز کما سنري.